Navigation Menu+

العمر والموت !

Posted on نوفمبر 4, 2020 by in قَلَمِي

تمت زيارة التدوينة: 1246 مرات

عندما يتفكر الإنسان بالموت يجد أن الفكرة التي يحملها عن الموت هي التي ستحدد كيف سيعيش باقي حياته؟! كنت دائماً أتفكر في الإنسان الغربي من جهتين؟ فكرة الموت عنده، وفكرة العمر؟! فكرة الموت عند الإنسان الغربي هي أن الله أعطاك الدنيا لتعيش فيها سعيداً وتستمتع بها!، وعندما تموت ستستمتع أكثر في هذا العالم الذي ستذهب إليه! لذلك فكرة الموت لا تقلقه أبداً ولا يفكر فيها كثيراً! وهو منشغل كيف يعيش الحياة بسعادة!! أيضاً فكرة العمر بنسبة له غير محددة ومرتبطة بشيء! بل عليه أن يعيش كل مراحل عمره، ولا يربطها بشيء معين يخجل من فعله! كأن يمارس جميع هواياته، أن يرتدي ما يريد…الخ أما نحن المسلمون ففكرة الموت لدينا مخيفة؟ لأن من أعطانا ونقل لنا معلومات الموت يريد أن يسكننا الموت ليردعنا دائماً عن غينا!! وهذه الفكرة خطأ! لأن علينا أن نفهم فكرة الموت بصورة حقيقية ثم حين نفهمها ننقلها لناس بالطريقة الصحيحة، وأن نذكرهم بالموت من حين لحين لا أن نجعل الموت يسكنهم! سألني مرة طبيب والدي هل يتناول والدك حبوب نفسية؟! قلت له لا! ثم سألته لماذا؟ قال لي لأن كبار السن لدينا عندما يكبرون يحتاجون للحبوب النفسية لتهدئتهم لأنهم يعيش مرحلة احتضار !! سألت نفسي كثيراً لماذا يعيش المسلم بهذه الروح المحتضرة، ويستسلم لانتظار الموت! ويموت قبل أن يموت!عندما تأملت وجدت أولاً: أن فكرة العمر لدينا مقلقة؟! مجرد أن تبلغ المرأة سن الثلاثين تبدأ تخفي عمرها وتصغره! ومجرد يبلغ الرجل الخمسين يبدأ يصغر عمره!! طبعاً ليس الكل لكن الغالب، مجرد بلوغ الإنسان لدينا لعمر محدد يبدأ مقص الرقيب عليه “حول لباسه وأفعاله وممارساته.. الخ” المجتمع بأكمله يدفعه لظل ..للموت!! طبعاً كل ذلك ليس من الدين! لأن الدين يحث على العمل للأخرة من لحظة بلوغ الشخص وحتى أخر لحظة من عمره بل حتى أخر لحظة من قيام الساعة “إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها” كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك المسلم يكون في حالة استعداد دائمة للأخرة، ولا يمنع أن يكثر من العمل للأخرة كلما تقدم به العمر!، لكن لا يدفن نفسه ويستسلم لفكرة الموت قبل الموت! وهذه الفكرة تكثر لدينا نحن السعوديون وهذا يفسر لماذا أكثرنا شباباً، وقلة كبار السن لدينا لأنهم يرحلون مبكراً! لا شيء يدفعهم للبقاء في هذه الحياة حتى فكرة الاهتمام بأنفسهم والحرص على الغذاء والرياضة لا يندفعون لها لأن كل شيء يدفعهم للموت رغماً عنهم! يكفي أن تسمع مسمى ” العجوز والشايب” يتحدث أحدهم ووالدته بالقرب منه ليقول العجوز عندي تريد كذا وكذا، أوعجوزي أو الشايب عندي يريد كذا وكذا أو شايبي …الخ وتبقى هذه اللفظة مؤلم لهم، وإن كنت تريد أن تخبرني أنها حقيقة وعليهم أن يتقبلوها، في لحظات يحتاج الإنسان ألا تخبره بالحقيقة وتبعده عنها ليعيش بهدوء نفسي، تستطيع أن تستبدلها بالغالي والغالية، وهي أجمل لأرواحهم وفيها تعبير عن الحب لهم! لماذا نخاف الموت؟! ونحن إن أمنا بالله حق الإيمان، وأحسنا العمل ستستقبلنا ملائكة الرحمة، وسترينا مكاننا في الجنة، وسنعيش في قبورنا منعمين، وسنتمنى أن تقوم الساعة بأسرع ما يمكن لننعم بالنعيم الأوفر في الجنة! لماذا نخاف وعالم البرزخ هو حياة أخرى لمن انتقلوا إليه بأرواحهم ويعيشون فيها حياة أخرى قد نجهل كيفية حياتهم لكنها ليس مخيفة، إلا لمن كفر، ولمن أساء العمل فقط، لكن إن أحسنت العمل وأحسنت الظن بالله لا يوجد ما يخيف إن انتقلت هناك أو انتقلوا أحبابك! ثق أنهم بين يدي رب رحيم وفي عالم جميل، نحن إذ نحزن نحزن لفقدهم ولسنوات التي سنمضيها بدونهم!، نحزن لأننا لا نعلم هل نلتقيهم مرة أخرى ونجتمع معهم؟! هل سنثبت على ديننا؟ هل سنخرج من هذه الدنيا كما يحب الله ويريد؟ يبقى أننا نجتهد ولا نعلم!

رحلت أمي وهي تبلغ من العمر ستون عاماً، كل فكري وخيالي أن أمي ستبلغ معنا التسعون عاماً لكنها رحلت مبكراً، رحلت وتركت كل شيء! حتى جوالها وصرافتها التي كانت تحرص على حملها معها تركتها، هذه ملابسها، وهذه عطوراتها، هذا شرشفها، هذه مسبحتها، هذه أدويتها، في المطبخ أرى طقم الأواني الجديد الذي اشترته ولم تستخدمه! سيترك الميت كل شيء خلفه، ولن يأخذ أي شيء معه حتى لو كانت حبة سمسم! أمامي جوال والدتي وأتصفحه وأشعر بالحزن، أشاهد أخر ما رأته وما بحثت عنه، فكرة أن تترك كل شيء خلفك، ومن يأتي من بعد سيتملك كل أشياءك التي تحبها، والتي حرصت عليها، ولربما اطلع على أشياء لا تحب أن يطلع عليها أحد تبقى فكرة مؤلمة ومحزنة! هذه الدنيا التي تجعلك تشتري لها كل شيء، وتحزن أنك لا تملك ما تريده فيها، وأنت في النهاية لن تأخذ منها شيء إلى قبرك!

لذلك قال الله فيها ” وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”

أضف تعليقًا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.