رمضان وأمي
رمضان وأمي والذي يوجع قلبي بذكراه، كما يوجع الشتاء والعيد قلبي! عرفتني على رمضان وكانت هي بطلة المشهد! ، وأنا طفلة أفتح عيني لأنظر للأشياء وأحاول إدراكها وفهمها!،هنا أمي تقف في مطبخنا الصغير، والذي كانت جدرانه منقسمه لقسمين ،بلاط بالون الأبيض وفيه نقط زرقاء وصفراء، والنصف الأخر من الجدار صبغة بيضاء، والأرضية بلاط على شكل طويل حوافه سداسية، بلون كموني منقط ببني خفيف، هنا الفرن بلونه الأخضر الفاتح والأسود ، وهنا أدراج المطبخ والتي كانت مصنوعة من الألمنيوم وكانت كل درفة تحمل زجاجة بلون ، شفاف ، أصفر ، أخضر ، بني ، ..الخ تقف أمي رحمها الله في مطبخها بكل حب لتعد أشهى المأكولات، يعج المكان برائحة السمبوسة وكأنها ملكة المكان تغطي على روائح المأكولات الأخرى!، أشاهد أمي تقوم بعمل اللقيميات لم تكن متناسقة في الشكل لكني أراهن أنها الألذ! ،ليست لأنها أمي بل كانت طباخة ماهرة تملك نفساً جميلاً في الأكل ، لدرجة عندما يعد والدي وليمة ومن لم يستطع أن يحضر من الرجال لهذه الوليمة يوصي زوجته أن تحضر له من أكل والدتي رحمها الله ، كانت تبتكر أشهى المأكولات ، وتتابع ما يبث في التلفاز من برامج طبخ لتتفنن في الطبخ! كان من عادة أمي رحمها الله وطقوسها قبل رمضان أن تذهب لسوق وتشتري أكواب جديدة، وأجياك للفنتو والعصير، وطقم صحون ، وسفرة طعام ، وملاعق، وكنت دائماً أستغرب اختفاء الملاعق وأسأل أمي أين تختفي ؟! لتخبرني أن الناس ربما يحملونها بالغلط مع السفرة ويرمونها لذلك تختفي! ولكن عقلي الخيالي يقول لي أن هنالك “سارقين الملاعق” في عالم أخر يشنون هجوماً على البيوت لسرقة الملاعق لذلك تختفي من البيوت !
كانت أمي تشعر بالإنجاز وهي تفرش سفرتها وترى كل ما اشترته من أواني وأطباق أعدتها تزين سفرتها ،يبهج قلبها هذا المنظر ويبهج قلبها رمضان وكل تفاصيله الروحانية ، وكأن رمضان رجل تجلسه أمي على مائدتها وتحسن ضيافته! أخر رمضان صامته وقبل أيام منه ذهبت بها وأنا في خوف عليها أن تصاب بكورونا لأنها تريد أن تشتري أغراض لرمضان كعادتها وبالأخص جهاز لقيميات شاهدت إعلانه وتريده، في أول يوم في رمضان كانت أمي تكرر مقولتها المشهورة والتي لاحظتها تقولها بكثرة بعد رحيل والدي رحمه الله
“اليوم أول يوم من رمضان يا لله لا تذهب به لنا بغالي”
واليوم هي المفقود الغالي في هذا الشهر الفضيل الذي سيحل علينا بعد أيام
يا رب قد حل عليك غاليين كانا يكرمان ضيوفك ، ويعظمون شعائرك
فيا رب أكرم نزلهم وعوضهم بالخير في أخرتك واجمعنا معهم في مستقر رحمتك