كيف تصنع ابناً منافقاً ؟!
خلال السنوات التي مررت بها كانت تستوقفني بعض التساؤلات ، عن ذنوب الخلوات ، وعن التشدد ، وعن انتكاسات البعض…الخ ، خاصة عندما تمر علي بعض القصص التي ترتبط بشيء من ذلك، تجعلني أتفكر فيها بعمق ، مازلت أذكر ذلك اليوم عندما كنت مشغولة بتأمل زميلتي التي منذ مدة هذا حالها تأتي للمدرسة وتُخرج تلك المجلة الفنية وتقرأها ثم تعطيها لزميلتها التي بجوارها عند انتهاء الدوام المدرسي ! قررت أن أبوح بما يختلج في داخلي من أسئلة لزميلتي التي كانت بجواري لعلها تسعفني بالأجوبة عن حال زميلتي تلك ؟! لكنها كانت مشغولة بكتابة رسالة غرامية لأخ زميلتي الأخرى ؟! كلا الموقفين جعلني أشعر أن أفعالهم غير جيدة لذلك لذت بالصمت ! لكن خلال تلك السنة علمت أن زميلتي تلك صاحبة المجلة تمنعها والدتها من قراءة المجلات الفنية و تدفع المال لزميلاتها التي بجوارها لتحضر لها المجلات لتقرأها في المدرسة ! وزميلتي الأخرى صاحبة الرسالة الغرامية، ابنة شيخ ووالدها لا يعلم شيئاً عن أفعلها المشينة ، فهي تقترف كل شيء خلاف ما يدعو والدها! هذه القصة وغيرها الكثير الذي مررت به جعلتني أؤمن أنه في بعض الأحيان نصنع أبناء منافقين بغير قصد منَّا ؟! فكثير من الآباء والأمهات يحرصون على أبنائهم ، خاصة في أمور دينهم ولكن ذلك الحرص ينقلب بعكس ما أرادوا ولا يؤتي أكله ؟! بل أجد أنه ينحى بهم إلى طرق خطيرة ! وأخطرها طريق النفاق والتهاون بنظر الله في الخلوات ، التي بوابتها في ظني مثل تلك الأمور ! فعندما يُمنع الإنسان من شيء أو يفرض عليه شيء غير مقتنع به ،وخاصة في سن المراهقة يندفع لإقترافه خلسة عن أعين من يمنعوه ! بل ربما في بادئ الأمر يستشعر مراقبة الله ،ويشعر بعذاب الضمير لكن مع الوقت يألف ما يقترفه ،ويكبر عليه ويراه بعين أن لا شيء فيه ؟!والأشد والأخطر هو عندما يظهر بلباس التدين وهو يخفي تلك الأمور!! بلا شك لم يخلقنا الله أنبياء معصومين ولا ملائكة منزهين بل يقول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ” والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ” ! لكن عندما يصل الأمر بالبعض أن يُهون لك الذنب ويراه شيء عادي ، ولا يصاحبه عذاب ضمير ، ولا شعور بالندم ولا مجاهدة في التوبة ،ويحاول أن يقنعك أن هذه الذنوب من اللمم ! هنا تدرك أن الأمر تفاقم واشرأبته النفس لأن البعض ألف الأمر منذ الصغر، وكبر عليه ، وكان حينها يجهل فداحة الأمر ! وربما البعض لم يدخل في هذه الدوامة منذ الصغر لكن فهمه الخاطئ ساقه لطريق صعب شبيه بما تحدثنا عنه فالبعض عندما استقام وهداه الله إلى طريق الحق تلبسه شعور الكمال في نفسه فهو ينظر لكمالية النفس والتي أوهم بها أو توهمها ! فيرى الذنب أمر غير طبيعي فيعيش صراعات نفسية بين طبيعة النفس التي تقترف الذنوب وتخطئ ، وبين شعوره بكمالية النفس والمثالية ومع ضغوط تلك الصراعات إما أن ينتكس أو يقترف ذنوب الخلوات فيصبح ظاهره الصلاح وباطنه العكس ! وكان عليه أن يعيش شعور الوسطية والاتزان النفسي وإن اقترف الذنوب فهي أمر طبيعي أن تذنب النفس البشرية ، وتخطئ لكن لا يغيب عنها ضميرها ،ويكون حاضراً شعور الندم وسلاحها الاستغفار ونيتها دائماً التوبة !أذكر قريباً لي استقام وكان محافظاً على صلاته في المسجد وحريص جداً على أمور دينه مشكلته فقط أنه يحب مشاهدة أفلام الأكشن واليوم الذي يشاهد فيه فيلماً يعيش صراعاً نفسياً قاتلاً وتحدثه نفسه إما أن تكون شخصاً صالحاً أو لا ؟! ليس عليك إلا أن تختار خياراً واحداً ؟! مما دفعه لترك الاستقامة ، بل ترك الصلاة تحت ضغط هذا الشعور الداخلي ! لأن من كمال النفس الذي يتوهمه أنه يجب أن يكون كاملاً ولا يذنب ! بل هذه القناعات لدى بعض شبابنا تجده مفرط بالكلية حتى في صلاته وتحدثه نفسه بالصلاة لكن يتوهم الكمال أنه لن يصلي حتى يقلع عن كل شيء ! ونحن نقول له أهم شيء أن تصلي وتجتهد أن تترك كل ما يغضب الله لكن صلاتك لا تفرط فيها نهائياً ! عندما تأملت سيرة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام والصحابة الكرام تفكرت في حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها عندما قال لها ” إني أعرف عندما تكوني غاضبة مني تقولي: ورب إبراهيم، وعندما تكوني راضية عني، تقولي: ورب محمد ” تساءلت كيف لعائشة رضي الله عنها أن تغضب رسول الله كونه رسول الله أولاً وزوجها ثانياً؟! أدركت حينها أنهم يعيشون بشريتهم بكل ما فيها فهاهم الصحابة يذنبون يؤتى بشارب الخمر ، والزانية ، ..الخ لكن ضمائرهم حيه يقتلهم لهيب الذنب ، ولا يعيشون النفاق ، ويبتعدون عن ذنوب الخلوات ،وإن اقترفوا الذنب سارعوا للاستغفار والتوبة ! لذلك علينا أن نحرص في دعوة أبناءنا أن نكون أكثر حكمة وأن نبتعد عن شعور الكمال في أنفسنا الذي يدفعنا لأمور لا نرغبها وحتى ننجوا من النفاق نحن وأبناؤنا
في الختام أود أن أقول لكم
أذنبوا لكن استغفروا ربكم
اجتهدوا أن تجعلوا ظواهركم كبواطنكم فستسعدون وسترتاحون !