قياسك طُهر ؟!
من أعجب ما ترى من يقيس ذنوبه على حال الناس ، فهو مطمئن القلب طالما أن ذنبه أقل من ذنوب من حوله فهو يشعره بالرضى والارتياح إن لم يشعره بالطُهر رغم ما هو واقع فيه من ذنوب !! بالأمس كانت تتحدث إليَّ صديقة عن معاناتها مع زوجها الذي يشرب الخمر وقوله لها أنه أفضل حالاً من أصدقائه الذين معه، والذين يشربون الخمر ، ويعاكسون النساء وبعضهم يعاشرنهن بالحرام !! أما هو لم يمس امرأة غير صديقتي وليس له جرم سوى أنه يشرب الخمر !! بلا شك أن ذنب عن أخر يختلف، لكن ما جعلني أفكر بعمق هو ذلك الشعور المغرور الذي يتلبس الإنسان ويرى نفسه أنه أطهر من من حوله ويتملكه شعور الرضى التام ويسكن ضميره ، ولا يأنبه لأنه لم يكن مثل من حوله متفاقم الذنوب، ومتجرئ على المعاصي رغم ذنبه !! فقد يرى من يعاكس النساء محادثة أنه أفضل حالاً ممن يجالسهن ، ومن يجالسهن يرى أنه أفضل حالاً ممن يلمسهن، أو يُقبلهن ، ومن يلمسهن أو يُقبلهن يرى نفسه أفضل ممن يعاشرهن بالحرام ، ومثله المدخن يرى أنه أفضل حالاً من من يشرب الخمر ..الخ وقس على ذلك .. وهذا الشعور لا يكون إلا تطبيعاً فمع مرور الوقت تتقبله النفس فذلك الذي يجالس أصدقاء يشربون الخمر ويجالسون النساء ويعاشرونهن ربما لا يقرب من أفعالهم شيئاً لكن تجد نفسه تتقبل ما هو أقل من فعل أصدقائه ولا يراه جرماً بل ربما نعتوه أصدقاؤه “بالمطوع ” بناء على رفضه للخوض معهم في أفعالهم الكبيرة ، وكبروا في نفسه ذلك الشعور ، وأن ما يقترفه من فعل لا يعد ذنباً ولا يأثم عليه قياساً على حال من يجالسهم ! وكم يغرر هذا الشعور بصاحبه ، ويجعله في مأمن لا يشعر بجرم ذنوبه ! ولن ينفعه ربط أفعاله بالبشر يوم يقف بين يدي الله ، وكان عليه أن يقيس حرمة أفعاله على الكتاب والسنة لا على البشر!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إيّاكم ومحقرات الذنوب ، كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود ، حتى أنضجوا خبزتهم ، وإن محقرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه “