يا رب لا تخيبني
# أحب الرياض بل أعشقها من كل قلبي! وأجد حبي لها أكثر صدقاً ممن يحبون مدنهم لأنني حين أتأمل أجد لكل واحد منهم سبباً لأن يحب مدينته، من يحبها لبحرها، من يحبها لخضرتها، من يحبها لجوها، من يحبها لنخيلها، من يحبها لقداستها، لكن حين أرى الرياض لا أجد فيها شيئاً يجعلك تحبها سوى سمومها ورمالها! عندما ركبت السيارة لأول مرة بعد رحيل أمي ودعوت بدعائي الذي استودع فيه نفسي وأمي وأحبتي خنقتني عبراتي لم تعد أمي موجودة لأخاف عليها شيئاً في هذه الدنيا! أخذت أسير في طرق الرياض وأرى الرياض كئيبة بعد أمي! أتذكر عندما كنت أذهب أنا وهي، وكنت أهديها بعض الأغنيات، وأخر أغنية أهديتها لها وأحبتها “ضناني الشوق لمحمد عبده” آه يا أمي هل تكفي الآه!
#يحل فصل الشتاء وكم أكره فصل الشتاء! أحب بدايته، أحب نهايته، لكن عندما يحل بكل ما فيه لا أحبه، وربما فلسفتي التي أرها فيه أشعر أنه مكبل لكل شيء! وأكره شعور التكبيل! أن أكون حبيسة شيء رغماً عني! أحب شعور الانطلاق والحرية! ولا يعني ذلك أنني أحب فصل الصيف! لكن مع الحر أستطيع سهولة طرده! أما الشتاء مهما حاولت فأنا حبيس له ولليلة الطويل الكئيب! أمي رحمها الله كانت تحب فصل الشتاء وتحب كل فعاليات الشتاء من شب الضوء، وأبو فريوة، والذرة، والحليب …الخ وأنا أشعر باكتئاب مضاعف مع فقدان أمي فذكرياتها أشد مع هذا الفصل فكل شيء يقتلني! وأظن أنني سأموت أكثر لو قرروا أنه يكون هنالك حجر ثاني! لا أتخيل أن تعود أيام الحجر، والتي ستذكرني بخسارتي الفادحة التي كانت نتيجتها فقدان أمي! في أيام الحجر الماضية لم أهتم كثيراً بمسألة الحجر لأن من يعيش عزلة ولا يخرج إلا قليلاً لم يفرق معه الأمر! لكن كانت معاناة المنعزلين والذين يلزمون بيوتهم طوال السنوات، أن البيوت ازدحمت عليهم فأخذوا يصرخون أنقذونا من الزحام والضجيج! فكانت هذه مأساتهم فقط وليس المكث في البيت! وأنا لا أستطيع أن أتحمل الأربعة فصل الشتاء، وفقد أمي، والحجر، والهاربون من بيوتهم!
# أذهب بأختي من أبي لحي الديرة لأحاول أن أؤنسها، فقد فقدت زوجها في مرض أمي، وابنها منذ سنة نائم لم يستيقظ بسبب حادث، مع وفاة أمي التي زادت ألامها، لا أعلم كيف حزين يواسي حزين! لكن على أحد المحزونين أن يبادر، وسيرعى الله قلباً حاول أن يسعد!
أحب حي الديرة ” المصمك” وما حولها، أجد روحي هناك! وأظن أنني مصابة بمرض “النوستولجيا” وهو مرض الحنين للماضي، وتساءلت كثيراً، عن تعلقي بالماضي واشتياقي له ولفترة محددة منه! لم أجد إلا جوابين! تلك الفترة كان أبي وأمي بكامل صحتهما وحياتنا هادئة مستقرة فأحببت تلك الفترة التي جمعتني بهما! باقي هذه السنوات كنت أرى ألمهما وضعفهما فكان هذا يؤلم قلبي! الجواب الثاني تلك الفترة لم تغزونا القنوات الفضائية والتقنية لم نكن نرى العالم بكل ما فيه! كل ما كنا نراه جُزيء من العالم وهذا الجُزيء مختار بعناية لنراه! لذلك عندما رأينا كل العالم كانت مأساة! أن تملك قلباً يتألم لأجل هذا العالم المحزون، لكنك لا تملك يداً! ستكون مأساتك أضعاف وستغرق! اليوم كل ما أتمناه ألا أعرف شيئاً عما يحدث في هذا العالم! أريد لقلبي أن يهدأ!، أريد لعقلي أن يهدأ! أريد أن أموت بهدوء!
#هنالك من يكون مكانة والديه أولية أو ثانوية! هذه الحقيقة التي عليك أن تعرفها! من يكون ممتلئ بزوجته وأولاده ” والعكس” عندما يرحل والديه بلا شك أنهم يحزنون، ويحبونهم لكن ليس كمثل من يكونون والديهم “مكانة أولية” سيكون فقدهم أشد ويصعب تصديق فكرة رحيلهما ونسيانهم! عندما توفيت أمي كان لدي سؤال ملح كنت أود أن أطرحه لأتلقى الإجابات عليه لمن رحلت أمهاتهم كيف مضت سنواتهم من غير أمهاتهم؟! مشكلتي مع هذا السؤال أنني أعرف ماذا سيكتبون لكني أريد أن أفهم كيف يشعرون! وهذا صعب! لو سألني أحد عن شعور فقد الأم، لقلت له أنا أشعر أن أمي مسافرة وستعود!، مريضة في المستشفى وستعود وستدخل علينا مع الباب! لذلك أمارس حياتي بشكل عادي، تحتل جل تفكيري، وحزني الداخلي واشتياقي هو لغائب سيعود! لكن في لحظات متفاوتة من اليوم عندما تواجهني نفسي بحقيقة رحيل أمي وأنني لن أراها أبداً! ويستحيل أن تعود للحياة! أشعر بالرعب والهلع في قلبي وأن هنالك دوامة تسحبني لو دخلت فيها لن أخرج منها أبداً! فأقوم لأهرب من هذه الحقيقة إلى كذبة أنها غائب وستعود لنا قريباً! وأظن أن الكثير الذين عاشوا بعد فقد أحبابهم كانوا يعيشون على هذه الكذبة! ويهربون طوال أيامهم من هذه الحقيقة!
# عليك أن تكون مسلماً حقيقياً، عليك أن تكون إنساناً حقيقاً، عندما يموتون أحبتك ويفارقون هذه الدنيا إن كنت تريد أن تلقاهم وتراهم مرة أخرى عليك أن تجتهد، وتثبت أن تكون على خير، أنت لا تستطيع ضمان الجنة لك ولا لهم، لكن عسى الله أن يجمعك مع أحبتك في جناته، لذلك نحن أمام مهمة صعبة أن نثبت حتى نغادر هذه الدنيا بسلام
هل سأرى أبي ووجه أمي الجميل مرة أخرى؟!
هل سيستقبلونني؟! أم أنا من سيستقبلهم؟!
يا رب لا تخيبني