حين جمعتنا بطاقة ؟!
بدأ والدي سعيداً مبتسماً تلمع عيناه وهو يقرأ اسم أمي في بطاقة العائلة! لعله خيل له أنه يشاهد صورتها بدلاً من اسمها ! شعور جميل عندما يقترن الرجل بنصفه الثاني ليكتمل، وكأن هذا الاكتمال أشبه بالجسدين المنفصلين ، وعندما يقترنا تتوصل الشرايين والأوردة ببعضها البعض ليعبر الحب، وجميل الأحاسيس، كما يعبر الدم لكافة الجسد ! أدرك أن هنالك تعساء باء بالفشل التصاقهما واستعصى توصيل الشرايين والأوردة، وصعب معها أيضاً الفصل ورضيا بتسيير الحياة لأجل الأبناء ! لكن والدي كان سعيداً فقد وجد في والدتي نصفه المفقود لذلك كانت سعادته غامرة! وهو يضيف اسمه مع اسمها ليجتمع في بطاقة العائلة ! يهب والدي في كل مرة ليسجل مولوداً أو مولودة لقائمة بطاقته، سعيداً بذلك وكأنه يجمع كنزاً ليحصده ! يتأمل أسماؤنا ، يعرف أعمارنا يرانا أكبر من ذلك ، فنحن نتاج هذا الحب فكل جزء فينا يتقاسمانه ! مرت السنوات ورحل أبي دون موعد مسبق، تركنا مصدومين من رحيله ، نصبر أنفسنا أنه سيعود من سفر قريب، لكن في لحظات تتقمص الحقيقة دور النذالة ،والخسة هكذا نحن نراها ، فهي تواجهنا بكل قوتها لتخبرنا الحقيقة ! لتقول لنا استيقظوا من أحلامكم ، ونحن نرفض أن نصحو من هذا الحلم ، ونتمنى أنها تكذب حتى لا تتفطر قلوبنا ! توليت حماية تلك البطاقة وكأنه أرث لا أريد التفريط فيه ، وجدتها كما هي جميعنا فيها ، ولم تخلوا إلا من والدي ، وقد طمست صورته ، وكأن تلك البطاقة أجريت لها عملية استئصال وأصبحت عوراء ! حقيقة أن البطاقة تخبرنا في بعض الأحيان شيئاً من الحقيقة! فنحن أصبحنا نعاني العور! إن لم يكن العمى ! فمذ رحل والدي لم يعد هنالك ضوء حجبت الشمس عنّا ، ولعل والدتي لم تتحمل غياب هذه الشمس ، وقررت الرحيل هي الأخرى ! في كل عام يتساقطون إخوتي واحداً تلوى الأخر! إن لم يكن يتقافزون ، وكأنه ضاق بهم هذا الرحم ، ولم يعد يحتملون البقاء فيه ! لم يبقى إلا أنا ؟! وحيدة في تلك البطاقة أوفيها سنيناً جمعتني بأحبتي، كنَّا مصطفين بجانب بعضنا البعض ، كأننا ندفئ بعضنا البعض من زمهرير البرد ! رحلوا جميعاً بعضهم تحت الثرى وبعضهم أجبرته الحياة على الخروج رغماً عنه من هذه البطاقة، إلا أنا أجبرتني الظروف للبقاء رغماً عني ، ولم يعد في يدي إلا التسليم! فقد كتبت في وصيتي عندما أموت أن تدفن معي هذه البطاقة! لأنها حوت أنفاس أحبتي! أثار أيديهم مرت عليها ! الجميع أبي وأمي وإخوتي، فجميعنا كنّا نحتاجها في مسيرة حياتنا ، ولنثبت للعالم أنّاَ نملك وطناً ،وإن كان الوطن أكبر من أن يفسر بهوية !
لا تسألوني لماذا لم أقفز كما تقافز إخوتي من هذه البطاقة؟! فكيف لحبيسة كرسي الإعاقة أن تقفز ! وأين لها أن تقفز والمجتمع يرمقها بعين الرحمة ويتمنع أن يقبلها فعلياً لتعيش ، وأن تنتقل لبطاقة جديدة يكتب فيها اسمها وتحتها أسماءً تصف لأرواح جديدة تلهمها للبقاء في هذه الحياة البائسة !
نسيت أن أخبركم أنه لا يوجد قفز في حياتي سوى القفز إلى قبري حاملة بطاقتي التي حوت أنفاس أحبتي
فعليهما وعليكما مني السلام !