Navigation Menu+

يا قلب أصمد!

Posted on نوفمبر 27, 2020 by in قَلَمِي

تمت زيارة التدوينة: 1869 مرات

 

 

لي قلب مفرط بالإحساس، أشعر معه بأنني شبح يتلبس الناس ويشعر بهم دون أن يتحدثوا! بل أذهب لأبعد من ذلك بأن أشعر بما لم يشعروا به! يدعم ذلك خيالي فيرسم صورة الوجع أكثر وأكثر في داخلي لأتشظى وتنهمر أحاسيسي ويصعب علي ايقافها! ولربما من شكى لي قال شكواه وذهب ونسيها وأنا بت الليل أتوجع وأبحث له عن حلول!

أذكر أول وجع احتل قلبي الصغير عندما كنت طفلة في الصف الثاني الابتدائي لتخبرني صديقتي أن هذا البيت المستأجر للمدرسة كان يسكن فيه رجل قتل زوجته وطفليه! المضحك أن صديقتي تصف الجريمة وكأنها كانت حاضرة بأنه أدخل عصى المكنسة في رؤوسهم وماتوا! صدقت تلك القصة وسكنني الوجع! كلما دخلت المدرسة تذكرت قصتهم، وعندما أجلس في ساحة المدرسة للفسحة أتأمل زوايا البيت، يرسم خيالي كل شيء مشاهد الجريمة، ومشاعرهم، وكيف أب يقتل أبناؤه! أضع الحلول لو هربوا من هنا، أو من هنا، ولعل الله رحم قلبي لتفتح مدرسة قريبة من بيتنا لأنقل لها إجباري، أذكر أيضاً وأنا طفلة ما كانت تنقله الأخبار ويؤثر في نفسي، مازلت أذكر قصتين تحتل ذاكرتي وكيف فارقني النوم في تلك الليلة أتوجع لحالهم، مشهد لرجل فلسطيني يمسكون به الإسرائيليون ويكسرون يده بالحجارة! وحرب البوسنة وكيف كانوا يشقون بطون النساء الحوامل ويضعون فيها القطط! مازلت أذكر صوت المذيع وهو ينقل هذا الخبر المؤلم، كبرت وأنا أتوجع لكل ما أراه موجع، وهذا الوجع هو ماجعلني أكتب في القضايا الاجتماعية وهو أيضاً ما جعلني أتوقف عن الكتابة فيها منذ سنوات! ذهبت يوماً لسوق ولا أعلم ما لذي جعل البائعة تبوح لي بما يضيق به صدرها! ولماذا اختارتني أنا رغم وجود غيري! لكن كان للأمر حكمة!، قالت لي أن زوجها طلقها بعدما تزوج بامرأة عربية، ولديها خمسة أبناء منه، ولا يصرف عليهم وليس لهم من عائل حتى أن طفلها الصغير عند أول يوم استلمت راتبها واشترت له شكولاتة قال لها “ماما يعني بيسير نقدر نشتري شكولاتة؟! أكملت قائلة لكن الذي يضايقني هو نظرة الازدراء، الرجل المتدين يراني عاصية، والرجل من العامة يرى فعلي معيب، والشباب الفاسد يرى أنني لقمة صائغة يستبيح له أكلي، ولا أحد يدرك ما أعاني ويعاني غيري! تألمت جداً لحالها ولكلامها وتذكرت مقولة علي بن أبي طالب ” لو كان الفقر رجلاً لقتلته!”، أنا أتيت لسوق لأشتري  أشياء كمالية، وهذه المرأة تموت من الجوع هي وأبناؤها! نكتب مقالاتنا تحت رغد من العيش ثم ننشرها، ولا ندرك أثرها على المجتمع وأنها قد تساهم بطريقة خاطئة لتكون ضد هؤلاء الضعفاء الذين لا نقصدهم شخصياً فيما نكتب، لم أكن يوماً ضد عمل المرأة بل حق مشروع لها حتى لو كان وضعها المادي جيد، لكني ضد أن تعمل في مكان لا يناسبها، مثل أن تعمل في محل كهربائيات وهذا ما شاهدته بعيني وألمني، هل نفهم الواقع، هل ندرك ونلم بكل الأمور؟! لا، كل ما نفعله أننا نكتب ربما نوايانا صادقة، وربما ما نفعله لأجل أنفسنا فقط ولا يهمنا غيرنا! لكن شعرت أن لدي غرور في نفسي وأنها تريد أن تصلح هذا العالم بأكمله وهي أجهل مما تتخيل بالواقع وبكل شيء! حين نكتب كلماتنا هل المجتمع يفهمها كما نريد؟، هل المجتمع وصل لمرحلة من النضج ليفرق ويفصل بين من نوجهه له  الكلام، أم هو فقط يفهم عموميات المكتوب ويهيج والذي يبدو لي أنه قليل جداً من يفهم ما يكتب، والغالب منقسم بين قسمين؟ من يفهم عموميات المكتوب حسب مزاجه وفهمه، والقسم الأخر تابع لهذا القسم وهم الذين يطلق عليهم “مع الخيل يا شقراء” لم يفهموا ولم يقرأوا أساساً ما كتب! لذلك توقفت في أن يساهم حرف أكتبه في أذية مسلم أو مسلمة، وتركت الكتابة لمن هم أعلم مني وأعرف مني بالواقع، وبكل شيء، واختصرت كتاباتي على خواطري وتأملاتي الشخصية التي لا تضر أحداً بإذن الله،

أنا امرأة قوية ولست ضعيفة أبداً، أكره الضعفاء ، أكره من ليس له قلب رحيم وحنون، إيجابية في حياتي وأكره السلبية، أكره المفرطين في الإيجابية ، أحب الواقعية ،أكره “المفلمين”، أكره المحزونين بلا سبب ، أكره من يستسلم لحزنه ويجعله شماعة ، أؤمن تماماً أن الحزن الحقيقي شعور إنساني سامي يجب أن يعيشه الإنسان حين يحزن بكل تفاصيله ولا يلام لكن عليه أن يجتهد في دفعه وأن لا يستسلم له ، لدي عيوب كثيرة ، لكن أشدها أن لي قلب مفرط بالإحساس ، ولديه خاصية اسميها “خاصية الشبح” وهي أن أتلبس الناس وأشعر بهم دون أن يتحدثوا، بل من فرط احساسي أن أشعر بما لم يشعروا به عند المواقف ! ويزيد من مأساتي خيالي الذي لا يرحم فأنا في معاناة شديدة، وكم من ليالي كنت فيها سعيدة رأيت أو حادثني أحدهم عن قصة مؤلمة سمعها وشعرت وقتها أن غيوماً حزينة احتلت سماء قلبي! ومشاعري مستنزفة كمن سحبوا كل دمه من جسده وتركوه يهيم في الأرض!، العجيب في حالتي أني أتحمل كل ألم وحزن يخصني وأتصالح معه! لكني لا أتحمل ما يخص الناس وخاصة أحبابي أشعر أن سيلاً من المشاعر يجتاحني ويجرفني! دائماً في داخلي شعور وطلب لله تجاه والدي ووالدتي عندما كانوا على قيد الحياة واخواني وأخواتي، أن يمرضني الله ولا يمرضهم،أن يؤلمني ولا يؤلمهم ، فأنا سأتحمل الألم بدلاً عنهم، لذلك متصالحة  مع كل حزن يخصني وراضية بأقدار الله فيه، لكن الحزن الذي يسكن قلبي الآن ويؤلمني هو ما يتعلق بوالدي ووالدتي رحمهما الله،

كنت دائماً ما أنقطع من فترة لفترة عن عالم الإنترنت لأنني أكون مترعة بالوجع مما أقرأ وأشاهد وأسمع وأشعر أن رداء الحزن يرتديني فأهرب بغية الخلاص منه وخلعه!

بالأمس أقول لأختي هل تذكرين عندما قلت لك أنني أتمنى مزرعة، وكأس شاي، وتميس بالجبن، وأصحاب أضحك معهم ليس على شيء جدي يستحق الضحك بل على شيء تافهه لا يستحق الضحك أراه أنا وهم يستحق الضحك!، أصحاب حين تنبت في عقلي فكرة ينمونها بحوارهم وشعورهم! أصحاب لا يرتدون التدين لباساً أو الثقافة لباساً بل هي من طبيعة روحهم وعقولهم، تقوى في يوم وتضعف في أيام بالطبيعة النفس البشرية، أصحاب تتعرى ذاتي عندهم فلا يهمها على أي حال ترى، أصحاب  بسطاء لا تهمهم بهرجة الدنيا، الأرض مجلسهم والسماء غطاؤهم، أصحاب قلوبهم صافية مليئة بالرحمة والإنسانية ،

اليوم لدي رغبة جامحة في الهروب لمكان بعيد بعيد! لا أعرف فيه أحد، ولا أسمع فيه شيئاً يضيق صدري، ويستنزف مشاعري ،

لا أريد أن أعرف ماذا حل بالعالم، أريد أن أسد أذني ! وأغطي عيني!، كي لا أعرف  شيئاً!

كل ما أريده الآن أن يعيش قلبي الصغير ما تبقى له من عمر بهدوء وسلام

أضف تعليقًا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.